عن ماذا تبحث؟

جوجل بين تسهيل العثور علي نتائج البحث واستغلال المستخدم

 تعد الخصوصية علي الانترنت هي المقياس الاهم في امن المعلومات فهي المفتاح في عملية الاستهداف من جانب المواقع والخدمات عبر معرفة اهتماماتك وعن ماذا تبحث، ويتصدر المشهد دائمآ محرك بحث جوجل لأعتماد الكثير عليه في اجراء عمليات البحث ومع تطور الخوارزميات في اظهار النتائج عبر الاهتمامات "استهداف الاعلانات" اصبح هناك خوف كبير عن ما يعرفه جوجل عنا وفي هذا المقال يشاركنا المهندس/ محمد كمال مقال هام حول انتهاك الخصوصية من جوجل وماهي النتائج المترتبة عليه.


لماذا علينا أن نشعر بالخوف من جوجل؟

انتهاك الخصوصية ليس المشكلة الوحيدة.. لماذا علينا أن نشعر بالخوف من جوجل؟

للبحث عن كتاب معين بالشكل التقليدي في أي مكتبة يتطلب الأمر معرفة اسم المؤلف أو عنوان الكتاب أو الموضوع أو أي شيء يُشير إلى هذا الكتاب لسهولة البحث عنه والحصول عليه، هكذا تتم عملية الفهرسة بأي مكتبة، هي ترتيب وتنظيم الكتب داخل المكتبة بشكل ما وفقاً لاسم الكاتب أو الموضوع، حتى يتسنى للباحث أن يحصل على الكتاب الذي يريده بكل سهولة.


هذه هي نفس فكرة محركات البحث– وسنأخذ محرك البحث جوجل مثالاً– هو عبارة عن ويبسايت كل دوره هو تجميع وأرشفة المواقع أو صفحات الويب بشكل منظم ومرتب حتى يسهل الحصول عليه عند عملية البحث، فإذا كانت الكتب في المكتبات تتم فهرستها وأرشفتها وفقاً لنظام ما، فالمواقع وصفحات الويب– عند جوجل– يتم الزحف إليها وأرشفتها وفقاً لخوارزميات محددة أيضاً.


كيف تعمل محركات جوجل؟

هناك أربع مراحل توضح بشكل كبير كيف يعمل محرك البحث جوجل:


مرحلة الزحف

Google Bot هي خوارزمية مسؤولة عن عملية الزحف عند جوجل، ودورها في هذه المرحلة هو الزحف داخل الويب لاكتشاف أي موقع إلكتروني/صفحة ويب جديدة، فمثلاً إذا قام أحمد بنشر مقال جديد على مدونته الإلكترونية، بمجرد القيام بعملية النشر يأتي دور هذه الخوارزمية في اكتشاف أن هناك مقالاً جديداً قد تم نشره على الويب والحصول على رابط هذا المقال حتى نأتي إلى المرحلة الثانية.


مرحلة الأرشفة

تقوم خوارزميات جوجل في هذه المرحلة بأرشفة كل الصفحات والمواقع التي قامت Google Bot باكتشافها والحصول عليها ووضعها في مكان واحد، أرشيف جوجل والذي هو بمثابة المكتبة، أنت هنا عندما تقوم بالبحث باستخدام جوجل، لا تبحث داخل الويب بشكل عام وإنما تبحث داخل أرشيف جوجل، فبالتالي قد توجد مواقع أو صفحات داخل الويب لكنها ليست موجودة داخل جوجل، وهذا يكون بسبب معيار أو خوارزميات يُطلق عليها  Crawling Budget أو تكلفة الزحف وهو أن عملية الزحف لا تتم بشكل عشوائي وإنما وفقاً لعدة معايير يقوم جوجل بتحديث هذه المعايير أو العوامل بشكل دوري.


مرحلة البحث

عندما يقوم المستخدم بالبحث باستخدام جوجل عن معلومة ما، وليكن يبحث أحمد في جوجل عن مطعم مأكولات آسيوية  بالقرب منه، يستخدم واجهة جوجل ويكتب في مربع البحث (مطعم مأكولات آسيوية) هنا يبحث أحمد داخل أرشيف جوجل، وليس داخل الويب بشكل عام، تقوم الخوارزميات هنا بالتقاط الكلمة المفتاحية– التي كتبها المستخدم– والبحث داخل الأرشيف حتى تحصل على النتيجة التي تطابق رغبة المستخدم User Intent لنأتي بعد ذلك للمرحلة الرابعة والأخيرة.


مرحلة الترتيب

تظهر نتائج جوجل في شكل صفحات، كل صفحة تحتوي على عدة نتائج، تشير كافة الدراسات إلى أن النتائج الثلاث الأولى في جوجل هي الأكثر حصولاً على زيارات المستخدمين، وربما تحصل على الصفحة الأولى على كل الزيارات ونسبة ضئيلة جداً قد تهتم بالصفحة الثانية أو الثالثة إلخ، بل هناك مقولة لا أعرف قائلها بالتحديد تؤكد أنك إذا أردت أن تدفن جثة بحيث لا يجدها أحد، اجعلها في الصفحة الثانية في جوجل، إذاً عملية الترتيب هي عملية مهمة، يسعى أصحاب المواقع لأن يكون موقعهم في النتائج الثلاث الأولى في جوجل أو على الأقل في الصفحة الأولى، والسؤال المهم: ما هي المعايير التي تتم على أساسها عملية الترتيب هذه؟.


هل تتحكم الخوارزميات في ترتيب النتائج؟

عملية الترتيب هذه ليست عشوائية كما قلنا، هناك عدة معايير– كما تقول جوجل–  يتم على أساسها الترتيب، تؤكد جوجل أن المحتوى هو الملك، بمعنى أن كل شيء في عملية الترتيب مرتبط بالمحتوى الذي تقدمه المواقع وجودته وتوافقه مع نية المستخدم وما يبحث عنه، ولكن هل هذا حقيقي فعلاً؟ هل جودة المحتوى فقط هي الأهم بالنسبة لجوجل أم أن هناك أموراً أخرى قد يكون لها الدور الأكبر؟، قبل الإجابة علينا أن نعرف أن شهناك العديد من العوامل التقنية التي تلعب دوراً بارزاً وقوياً في عملية الترتيب، نتناول هنا أهم هذه العوامل.


سرعة الموقع  Website Speed

إذا كان الموقع سريعاً أثناء عملية تصفحه يمثل هذا عاملاً قوياً في عملية الترتيب داخل نتائج جوجل، فالبتالي إذا أردت لموقعك أن يكون في النتائج الأولى في محرك البحث جوجل عليك أن تجعله أسرع.


توافق الموقع مع الموبايل  Mobile Friendly

جميعنا يستخدم الهاتف الآن، وأغلب المستخدمين يتصفحون الإنترنت من خلال هاتفهم هذا، الموقع المتوافق مع الموبايل له النصيب الأكبر في الظهور في النتائج الأولى في جوجل أيضاً.


أكواد الميتا تاج Meta Tags

البيانات الوصفية لموقعك وللصور والفيديوهات وغيرها لها دور كبير في تحسين ظهور وترتيب موقعك في جوجل، هذا عامل هام أيضاً عليك أن توليه اهتمامك.


في حقيقة الأمر هناك عوامل كثيرة ومختلفة وجميعها تعمل في نفس الوقت، لا تعمل خوارزميات جوجل بمعزل عن بعضها البعض، بل تعمل معاً من أجل عملية الترتيب، فللروابط الخارجية دور كبير في الترتيب وكذلك الروابط الداخلية والـheadline Tag والإشارات من مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك معدل الارتداد داخل المواقع Bounce Rate وغيرها من العوامل الأخرى، والسؤال الهام هنا: هل يجب أن نترك مصير ما يظهر لنا في جوجل من نتائج بين أيدي الخوارزميات دون رقابة حقيقية؟.


انتهاك الخصوصية ليس المشكلة الوحيدة

أغلب المهتمين بقضايا انتهاك الخصوصية واستغلال بيانات المستخدمين في إعادة توجيه الإعلانات أو بيعها للمعلنين أو الشركات الأخرى للاستفادة منها يركزون اتهاماتهم لشركات مثل جوجل وفيسبوك وغيرهما على أنها تنتهك خصوصية المستخدمين وتحاول الوصول لأدق التفاصيل المتعلقة بهم وبياناتهم… إلخ، لكن هناك خطراً أكبر لجوجل قد يغفل عنه البعض وهو خطر احتكار المعلومة، إذا أردت معرفة أي شيء ابحث في جوجل، جملة بسيطة لكنها خطيرة حقاً.


اسأل جوجل، حملة إعلانية  موجهة إلى الوطن العربي قامت بها شركة جوجل سواء على شاشات التليفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "اسأل جوجل" بدعوى أنك إذا أردت معرفة أي شيء ببساطة اسأل جوجل، وهذا ما يتم بالفعل، بالنسبة للكثير من الجمهور فإن الإنترنت هو جوجل، إذا أراد أحمد أن يبحث عن أقرب طبيب للأسنان مثلاً فسوف يستخدم جوجل، وإذا أردت أن تعرف طريقة عمل الكيك فسوف تستخدم يوتيوب لمشاهدة فيديو يوضح ذلك، يوتيوب جزء من جوجل أيضاً، جميعنا يعرف ذلك؟.


الخطورة الحقيقة في امتلاك المعلومة، أن يصبح جوجل المصدر الوحيد للمعرفة في هذا العالم، فالباحثون والكتاب وبرامج التليفزيون والصحفيون والأشخاص العاديون باتوا يعتمدون على جوجل في كل شيء، وهذه مشكلة حقيقية لأننا نقف أمام معضلتين واضحتين للعيان:


  1. هل بالضرورة نتائج جوجل صحيحة ودقيقة؟
  2. ما الذي يضمن أن جوجل لا تتلاعب بالنتائج؟

 

إذا بحثت في جوجل عن حادثة سياسية معينة أو حقيقة تاريخية ما أو عن وصفة أعشاب أو طريقة مجربة للتخسيس أو أي شيء تبحث عنه، النتائج التي تظهر لا تعني بالضرورة أن المعلومة صحيحة، النتيجة الأولى لا تعني أنها الأصح، لكنها أصبحت في المقدمة فقط لأنها استطاعت أن تقنع خوارزميات جوجل بذلك، ولأن صاحب الموقع فهم عوامل ومعايير عملية الترتيب جيداً وقام بتهيئة موقعه ليحقق ذلك، كل هذه عبارة عن أمور تقنية لا وجود ولا دخل بمصداقية المعلومة من عدمها.


للأسف مشكلة ذلك اقتناع معظم المستخدمين أن نتائج جوجل صادقة وحقيقية بالضرورة، فإذا أراد المستخدم التأكد من معلومة ما يبحث عنها في جوجل، وهذا يعتبر شيئاً خطيراً يجب التحذير منه، حيث يمكن استخدام ذلك سياسياً أو للتضليل أو لتغيير حقائق تاريخية أو حتى لعمليات تشويه السمعة أو أي شيء آخر غير أخلاقي، بمجرد امتلاك عدة مواقع تتناول قضية ما، تعمل على تهيئة هذه المواقع بعد فهم خوارزميات جوجل جيداً، حينها قد تحتل الصفحة الأولى للنتائج كاملة وتصبح أنت المصدر الوحيد للمعلومة.


إذا أردت مثالاً لتقف على مدى خطورة ذلك، ما رأيك في 10 مواقع للفتاوى الدينية قد تقوم بها وتشرف عليها جماعة مثل "داعش"، تتناول هذه المواقع كل شيء، كل شيء حرفياً عن القضايا الدينية بتفاصيلها المعقدة، أسماء مختلفة للمواقع وأشكال متعددة بمضمون واحد، فتاوى موجهة هدفها تغيير الوعي الديني وقناعات المستخدمين، فمثلاً يبحث أحمد في جوجل عن (هل أرباح البنوك حلال؟) فيظهر له في النتيجة الأولى موقع أ والنتيجة الثانية موقع ب والثالثة موقع ج …إلخ حتى نهاية الصفحة الأولى، تخيل مدى خطورة أن تكون كل هذه المواقع ملكاً لجهة واحدة وهذه الجهة هي داعش، لمجرد أن هناك خبيراً يساعد هذه المواقع على تصدر النتائج الأولى في جوجل.


والسؤال: هل على جوجل دور أخلاقي تجاه كل هذا؟

 الإجابة نعم، أرى أنه من الضروري على جوجل أن تدرك مدى خطورة أن يتم استغلال منصتها لتضليل المستخدمين، على جوجل أن تتأكد من المحتوى الذي يظهر على منصتها، على جوجل أن تتحلى بالشجاعة وتتحمل مسؤولية ما يظهر على منصتها، لكن هناك إشكالية أخرى:

 ما الذي يضمن ألا تتلاعب جوجل نفسها بالنتائج؟

 جوجل تؤكد أن الخوارزميات وحدها هي التي تلعب الدور في عملية الترتيب، لكن هل هذا يمنع ألا يكون لجوجل دور في توجيه هذه النتائج؟ وهنا على سبيل المثال تظهر إشكالية تسمية "الخليج العربي" بالخليج الفارسي، فحاولت جوجل مثلاً أن تكون حيادية في هذه القضية فاعتمدت اسم الخليج الفارسي يظهر إلى جانبه الخليج العربي بين قوسين، هذا أيضاً بالنسبة للقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا، ما الذي يضمن عدم انحياز جوجل وفقاً لأجندات خاصة بها، وبالتأكيد لن تكون في مصلحة الحقيقة.

 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-